الجينات التي تؤثر على اللياقة

عِلم الوراثة علمٌ واسعٌ جداً ويقدّم لنا الكثير من المعلومات، فمثلًا يُمكننا من خلاله معرفة الأطعمة التي تُسبب لنا الحساسية، أو الأمراض التي يُمكن أن نتعرض لها في المستقبل، ومع تَزايد التطور تَزيد مجالات هذا العلم، حيث أننا لا نستطيع معرفة من أين حصلنا على لون بشرتنا أو أعيننا فقط على سبيل المثال، بل أصبحنا نعرف ما هي الجينات التي تؤثر على اللياقة الجسدية وقدرة الأجسام على تَحمل الجهد.

الجينات التي تؤثر على اللياقة

تُشير دراساتٌ حديثةٌ إلى أن مُتغيراتٍ جينية مثل الإنزيم المحول للأنجيوتنسين (ACE) والأكتين ألفا 3 (ACTN3 R577X) قد ترافقت مع صفة القدرة والتحمل التي يوفرها أنزيم الأنجيوتنسين II ولكن لا يمكن التنبؤ بأداء اللاعب من قبل، وقد دَرس باحثون دور التغير الجيني في مخاطر الإصابة والنتائج، حيث أنه يمكن أن يكون مفيداً في وقاية الرياضيين الشباب من إصاباتٍ خطيرةٍ.

كانت المعلومات عن ارتباط التغير الجيني بأداء الرياضيين ضئيلةً، ولكن الاختبارات الجينية أصبحت أكثر انتشاراً كونها وسيلةً لمطابقة الموهبة بالجينات.

وبالرغم من زيادة هذه الاختبارات، فلا يزال يَنقصنا  الدليل حول فائدة الاختبار الجيني على تقنية اصطفاء المواهب و التنبؤ بقدرة الرياضيين، كما يجب أخذ الأمور الأخلاقية المُحيطة بهذه الاختبارات عند إجرائها على الأطفال بعين الاعتبار.

العناصر المكونة للأداء

إن التحدي الأول عند محاولة وصف تأثير العوامل الجينية على أداء الرياضيين هو طبيعتها متعددة العوامل، حيث أن كل رياضةٍ مختلفةٍ عن الأخرى وتتطلب مهاراتٍ وصفاتٍ جسدية خاصةٍ بها، لذا فإن أي دراسةٍ للتأثير الجيني يجب أن تأخذ جميع العوامل المؤثرة بالأداء  بعين الاعتبار.

كما أن مجموعة الأجهزة التي تتفاعل في الجسم أثناء أداء رياضةٍ معينةٍ مثل الجهاز التنفسي والعصبي والعضلي، تَجعل من الأداءِ الرياضي أكثرَ السّماتِ البشرية تعقيداً.

إن أول ما يُمكن ملاحظته في الفروق بين الرياضيين في الاختصاصات المختلفة هو شكل الجسم مثل الطول وتركيبة الجسد والاختلاف في القوة والقدرة على التحمل وغيرها، فلكل نوع رياضةٍ شكل جسمٍ مختلفٍ يناسبه، حيث أن العوامل الأولية من القدرة على التحمل والقوة وتكوين الجسم والطاقة تنشمل تحت مسمى الأداء الرياضي.

فقدرة تحمل تمارين الأيروبيك هي القدرة على إبقاء الجهد مستمرّاً لمدةٍ أطول، كما هي الحال أيضاً في الركض وركوب الدراجات، لأن هذه التمارين تتطلب القدرة على جعل جهاز الدوران ينقل الأكسجين إلى العضلات المتحركة، وتحميل العضلات قدرة الانتفاع من هذا الأكسجين. 

يُعدّ المُعدل الأعلى لامتصاص الأوكسجين (VO2max) القياسَ الكمّي الأكثر شيوعاً للقدرةِ على التحمل، لكنه ليس العاملَ الوحيد الذي يؤثر في هذه القدرة عند أداء بعض الرياضات مثل الركض في الماراثون، حيث يوجد العديد من العوامل الأخرى التي تؤثر على الأداء.

القوة العضلية هي قدرة العضلات على إنتاج القوة، وهي تفاعلٌ بين قوة وسرعة تقلص العضلة، وتكمن في حركاتٍ مثل الحركات العنيفة كالقفز العالي، وهي مهمةٌ جداً في التمارين الرياضية التي تَشملُ العدو والقفز وحمل الأوزان.

وبالإضافة إلى كل ما سبق من عواملَ مكوّنة للأداء فإن القدرة العقليّة وقابليّة التأثُّر بالإصابات هي أيضاً عواملٌ مهمّةٌ، لذا نَجد أنّ الصفاتَ الرياضيّةَ الاصطفائية تتشكّلُ نتيجةَ تفاعُلِ الكثير من العوامل الأساسيّةِ التي تساهمُ في تكوينِ الجسد الرياضيّ.

الوراثة في الصفات الثانوية

تُحسَبُ وراثة صفةٍ ما بتقديراتٍ نسبيّةٍ لأهميةِ العوامل الجينية فيها، فمثلاََ تُقَدّرُ أن تكون وراثة الحالة الرياضية للجسم بنسبة 66%، ويُوَرّثُ الطول الذي يُعتبر من أهم أسباب النجاح في بعض الرياضات بنسبةٍ عاليةٍ حوالي 80% نتيجةً لتغيرات العوامل الجينية، كما أن امتلاك شكل جسمٍ معينٍ يُعتبر وراثيًا بشكلٍ كبيرٍ.

وفي ما يتعلق بقوة العضلات فتُقدّرُ نسبة الوراثة من 30% إلى 80% حسب نوع العضلة ونوع التقلص.

الجينات التي تؤثر في اللياقة

كان أنزيم الأنجيوتنسين متعدد الأشكال العامل الجينيّ الأول الذي رُبطَ بالأداء البشري، وهو الأنزيم المسؤول عن التحكم بضغط الدم من خلال تنظيم مستويات سوائل الجسم.

بينما يَرتبط النمط الجيني ACE I/I  بالأداء والقدرةِ على التحمل والفعاليّةِ العالية لأداء التمارين، ويَرتبط النمط الجيني D/D بقوةِ الأداء والطاقةِ المتوفّرةِ لهذا الأداءِ فقط ولا يرتبط بأي  أمرٍ جسديٍّ آخر.
وذلك بالرغم من وجود بعض التقارير المتناقضة بما يَخص هذا الأمر، وبشكلٍ خاص نرى أنه لا يوجد أي ارتباطٍ بين النمط الجيني I/D ونخبةٍ من الرياضيين الكينيين، وذلك بالعودةِ إلى العوامل العرقيّةِ أو الجغرافيّةِ المحتملة، ولكن يوجد نقدٌ شاملٌ عن مادةٍ بحثيةٍ عن النمط الجيني ACE وأداء الرياضيين في عام 2011.

أما بالنسبة للنمط الجيني ACTN3 R577X لبروتين أكتينين 3 فهو بروتين عضليٌ وُجِدَ بشكلٍ خاص في أنسجة العضلات من النمط II المُستخدمة أثناء النشاطات العنيفة.

يؤدي تَعدد الأنماط الجينية إلى توقفٍ مسبقٍ لتسلسل معلومات النظام الجيني (X) بدلاً من الأرجنين (R) في موقع 577.

حيث يُعتبر الأليل R بشكلٍ عام مُساعداً في الطاقة بينما يرتبط النمط الجيني (X) بقدرةٍ أقل على العدو وقوّةِ عملِ العضلات.

دُرِسَ تعدد النمط ACTN3 R577X على ثلاث مجموعاتٍ من نخبة  الرياضيين الأوروبيين.

وفي توافقٍ مع المادة البحثيّة السابقة كان الرياضيون ذوو الطاقة العالية يملكون النمط الجيني XX أقلّ بنسبة 50% تقريباً من الرياضيّين ممن لديهم قدرةً عاليةً على التحمل لأنهم يملكون النمط الجيني XX المقابل للنمط الجيني RR.

وبشكلٍ مُثيرٍ للاهتمام بما يتعلق بالرياضيين الأوائل في العالم ذوي القدرة على التحمل كان امتلاكهم النمط الجيني XX أكبر بنسبة 3.7 مرة مقارنةً مع المتسابقين ذوي المستويات الأقل وذلك بفرض أن يكون النمط الجيني ACTN3 مهماً في توريث مستوياتٍ عالية من الأداء.

كما أظهرت 23 دراسةً أخرى تَختبر ارتباط النمط الجيني ACTN3 مع الأداء الرياضي زيادةً في احتمالية طاقة الأداء الرياضيّ عند حاملي النمط R، داعمةً بذلك المادة البحثية التي تربط النمط الجيني ACTN3 بطبيعة طاقة الأداء الرياضي.

ومن المهم ملاحظة أن معظم الارتباطات بين النمط الجيني ACTN3 والأداء قد لاحظها Eynon et al  عند الرياضيين، وقد أظهر تحليلٌ آخر في عام 2011 تفوّقاً عالياً للنمط الجيني RR في العدو والطاقة عند الرياضيين، لكن لم يَجد أي ارتباطٍ بين النمط ACTN3 والقدرة الجسدية عند العامّة، وهكذا بقيت أهمية النمط الجيني ACTN3 على وظيفة العضلات عند العامة غير واضحة.

مخاطر الإصابة

المقاومة أو القدرة على الشفاء من أي إصابةٍ هي عاملٌ مهمٌ آخر لأداءٍ أفضل، حيث دُرِسَ نوعان من الإصابة بما يخص المخاطر الجينية؛ وهما ارتجاج الدماغ والتهاب الأوتار.

هذه المناطق من الأبحاث مهمةٌ بشكل جزئيّ لتطوّرِ المهارات عند الرياضيين الأطفال، لأنه يمكن للإصابات أن تُقللَ من الوقت المنقضي في التدريب والإنتاجية.

وبالإضافة إلى ذلك يمكن لبعض الإصابات أن تنشأ عن حالاتٍ متكررةٍ سابقاً في الحياة، فمثلاً أظهرَ الرياضيون الذين أصيبوا بارتجاجٍ دماغي على مدار عقودٍ عيوباً دماغيةً وانحداراً معرفيّاً أكبر أثناء تقدّمِهم في السن مقارنةً مع الرياضيين الذين لم يتعرضوا لأي ارتجاج.

إن فهم المكونات الجينية لمخاطر الإصابة والشفاء يمكن له أن يُطور قدرتنا على حماية الرياضيين المُعرضين للمخاطر وهم في أعمارٍ صغيرةٍ من إصاباتٍ خطيرةٍ لمعالجة ما يمكن أن يَحدث بشكلٍ مثالي.

تفترض الدلائل الحالية أن الحالات الجينية العامة المفضلة عندما تُربَط مع التدريب الملائم تُساعد ولو بشكلٍ خفيفٍ في إنجازاتِ النخبةِ من الرياضيين، ورغم ذلك قد رُبِطَت بعض الجينات بشكلٍ متكررٍ مع أدائهم فقط.

هذه الارتباطات ليست قويةً بما يكفي للتنبؤ بأدائهِم الرياضيّ، وإن استخدام الاختبار الجيني لهذه التعددات الجينيّة في انتقاء الموهبة غير مكتملٍ بعد، حيث لم يَصل أي تعددٍ جيني إلى مستوى تنبؤي لنجاح الرياضيين بعد.

Related Articles

Responses

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *