الاستهلاك الزائد للأوكسجين عقب التمارين
بشكل عام يتلاءم استهلاك الأوكسجين في الجسم مع حجم النشاط العضلي، ولكن عند الانتقال من حالة الراحة إلى حالة التمرين ومهما كانت مستويات التمرين منخفضة، فإن الجهاز القلبي التنفسي لا يقوم مباشرة بتأمين حاجة العضلات من كمية الأوكسجين المطلوبة لتتمكن الأنسجة العضلية من إنتاج الطاقة بالطرق الهوائية لممارسة نشاط معين، حيث يحتاج استهلاك الأوكسجين فترة من الزمن للوصول إلى المستوى المطلوب.
ويشكل هذا الاختلاف بين حاجة العضلات من الأوكسجين وإمداد الجسم الفعلي منه للعضلة، حالة من العَجُز أو النقص في كمية الأوكسجين تعرف بعجز الأوكسجين .(Oxygen Deficit)أنظر الشكل رقم (39) الذي يمثل معدل استهلاك الأوكسجين مع الزمن.
وبالرغم من نقص الأوكسجين، إلا أن العضلات تلبي احتياجاتها من الـATP بالطرق اللاهوائية (أي نظامي
ATP-PCrوالتحلل الجلايكولي اللاهوائي) ، وكأن الجسم في هذه الحالة يقترض الطاقة من الطرق اللاهوائية السريعة لغاية أن يتمكن من إنتاج الطاقة بالطرق الهوائية، أي يستدين الـATP من الطرق اللاهوائية.
وهنا يوجد احتمالان:
- الاحتمال الأول: الانتقال من الراحة إلى ممارسة نشاط منخفض الشدة، وبهذه الحالة سيكون كم الطاقة الذي ستقترضه من العمليات اللاهوائية منخفضاً وبالتالي سيكون حجم عجز الأوكسجين أيضاً صغيراً.
- الاحتمال الثاني: الانتقال من الراحة إلى ممارسة نشاط عالي الشدة، وبهذه الحالة سيحتاج الجسم لاقتراض كم أكبر من الـATP من الطرق اللاهوائية مما يجعل حجم عجز الأوكسجين كبيراً وسيترتب على الجسم دين كبير.
ونلاحظ هنا أنه كلما زادت شدة التمرين ازداد حجم الدّين وبمجرد الوصول إلى حالة من الثبات (Steady State) يمكن الاستمرار عليها لفترة طويلة أو التقليل من شدة التمرين، سيصل استهلاك الأوكسجين إلى المستوى المطلوب، والسؤال الآن كيف نسدد هذا الدّين؟
نلاحظ من الشكل رقم (39) أنه عند التوقف عن ممارسة التمرين وبداية فترة التعافي لا ينخفض استهلاك الأوكسجين مباشرةً مع توقف التمرين، بل يبقى مرتفعاًلفترة من الزمن قد تكون دقائق أو حتى ساعات، وخلال هذه الفترة يستخدم الجسم الأوكسجين في إنتاج الطاقة بالطرق الهوائية وذلك لتلبية احتياجاته من الطاقة خلال فترة التعافي، وكذلك لسداد الدين الذي ترتب على الجسم من الـATP المُستخدم منذ لحظة بدء التمرين. وتسمى هذه الفترة بدين الأوكسجين (Oxygen Debt) أو بمعنى أدق الاستهلاك الزائد للأوكسجين عقب التمارين
(Excess Post Exercise Oxygen Consumption- EPOC) وتعني الحالة التي يرتفع فيها معدل الأيض الهوائي بعد التمرين.
وكلما زادت شدة التمرين كانت قيم الـ EPOC أكبر وامتدت لفترة أطول، وإذا تمعّنا قليلاً سنجد أن هذا بالفعل ما يحدث عند القيام بنشاط عالي الشدة مثل الجري فجأة للحاق بطفل صغير خشية أن يعبر الشارع لوحده، أو عند صعود مجموعة أدراج بسرعة، نلاحظ تسارع دقات القلب وازدياد حدة التنفس لحد اللهُاث، وبعد عدة دقائق من التوقف عن النشاط -وليس مباشرةً- يرجع النفس ونبض القلب إلى الحالة الطبيعية.
وفهم هذه الظاهرة الفيسيولوجية يفسر العديد من التغييرات المرتبطة بعمليات أيض الطاقة خلال وبعد التمرين.
إذاً السبب في ارتفاع استهلاك الأوكسجين بعد التمرين هو تمكين الجسم من:
- إنتاج الطاقة بالطرق الهوائية وذلك لتعويض مخازن الـ ATP والفوسفوكرياتين (PCr) التي تم استهلاكها خلال التمرين وإعادتها إلى المستوى الذي كانت عليه في فترة الراحة.
- التخلص من فضلات عمليات الأيض.
- تعويض كميات الأوكسجين التي تم استهلاكها من خلايا الدم الحمراء والعضلات.
- مساعدة الأنسجة العضلية المتضررة على الاستشفاء وإصلاح التلف وبناء بروتينات العضلات.
- إعادة العمليات الفسيولوجية المختلفة (نبض القلب، معدل التنفس، درجة الحرارة…الخ) إلى مستوياتها الطبيعية في فترة الراحة.
ماذا يحدث أثناء التمرين المتقطع؟
لفهم ما يحدث أثناء التمرين المتقطع (أي أثناء الجولات أو الألعاب الرياضية أو المباريات) دعونا نلقي نظرة أخرى على الشكل رقم (38).
أثناء التمرين المتقطع نجد أن هناك فترة زيادة في النشاط يعقبها فترة انخفاض في النشاط أو تعافٍ، وبالتالي فإن ما يحدث خلال التمرين المتقطع هو تكرار لنفس النمط الظاهر في المنحنى من حيث استهلاك الأوكسجين ولمرات متعددة أثناء المباراة أو الجولة، أي مع كل مرة تتغير فيها متطلبات الأداء.
فعندما يزيد الرياضي من شدة التمرين (مثلاً من المشي إلى الجري) وبلغة أخرى عند الانتقال من 65% إلى 85% من القدرة الأوكسجينية القصوى (VO2max) ، فإن معظم احتياجات الطاقة تأتي من الأيض اللاهوائي.
أما عند تخفيف الشدة (أو عندما يشعر الرياضي بتعب مؤقت) هناك فترة مستمرة من الاستهلاك العالي للأوكسجين في محاولة للتعافي بسرعة حتى يصبح جاهزاً للجولة التالية من العمل الأكثر شدة.
إذا كانت الجولة السابقة من العمل ذي الشدة العالية قصيرة جداً، بمعنى أن الوقود كان يأتي من نظام ATP-PCr عندها تكون فترة التعافي قصيرة نسبياً، إذ يتعافى نظام ATP-PCr بنسبة تفوق 90% في حوالي 90 ثانية، أما إذا كانت فترة النشاط عالي الشدة طويلة، فستكون فترة التعافي طويلة أيضاً.
وأثناء التمرين المتقطع (مثلاً خلال الألعاب الرياضية للفرقTeam sports- ) تكون القدرة على التعافي السريع أمراً في غاية الأهمية.
و كما ذكرنا سابقاً فإن التعافي حدث هوائي يهدف لإعادة تركيز ATP-CP إلى الوضع الطبيعي وللتخلص هوائياً من حامض اللاكتيك، ولهذا لسبب يُنصح بشدة عند عمل البرامج التدريبية للاعبي الفرق، الاهتمام بتحسين اللياقة البدنية الهوائية وليس فقط اللاهوائية، على الرغم من أن هذا النوع من الألعاب الرياضية ليس من ضمن التمارين التي لها سرعة سير ثابتة (Constant Pace) وتتغير خلالها شدة الأداء بشكل مستمر، ما يدفع البعض للاعتقاد أن التدريبات يجب أن تُركز على زيادة كفاءة الأنظمة الأيضية اللاهوائية فقط.
إن زيادة مستوى اللياقة البدنية الهوائية تعني أن اللاعب سيحتاج وقتاً أطول للوصول إلى العتبة اللاهوائية، وبالتالي يحتاج للحفاظ على مخازن الطاقة اللاهوائية لفترة أطول، ما يُمكِّن اللاعب من الحفاظ على مستوى الأداء المطلوب طوال مدة المباراة.
منطقة حرق الدهون، حقيقة أم خرافة؟
يعتقد الكثيرون أنه عند ممارسة الرياضة منخفضة الشدة “سيحرق” الجسم دهوناً أكثر لكونها تعتمد بشكل رئيسي على الطرق الهوائية لإنتاج الطاقة وبالتالي تعتمد على الدهون بشكل أكبر من الكربوهيدرات، ما يعني حرق سعرات أكثر من الدهون بدل الكربوهيدرات، وبما أن أقصى معدلات أكسدة للدهون تحدث حول نسبة 65% من VO2max (على الرغم من أن هذه القيمة تعتمد على عدد من العوامل الأخرى، مثل اللياقة البدنية، الجنس، والنظام الغذائي) فلقد أصبح من المتعارف عليه أن هناك ما يعرف بمنطقة حرق الدهون (Fat Burning Zone).
إلا أن هذا الاعتقاد غير دقيق علمياً، فبالعودة إلى مفهوم الاستهلاك المفرط للأوكسجين عقب التمارين (EPOC) نلاحظ أنه مع ازدياد شدة التمرين ترتفع قيم الـ EPOC، أي يزداد استهلاك الطاقة بعد التوقف عن التمرين وأن هذه الزيادة تتم تلبيتها بالطرق الهوائية التي تعتمد على حرق الدهون بشكل كبير.
فحتى لوكان الجسم يعتمد على الكربوهيدرات خلال التمرين عالي الشدة بشكل رئيسي، فإنه يعتمد على التنفس الهوائي خلال فترات التعافي أو خفض الشدة لتعويض ما تم إنتاجه من الطاقة بالطرق اللاهوائية، أي لسداد الدين.
كما أن ممارسة 30 دقيقة من الركض مقارنة ب 30 دقيقة من المشي سيدفع الجسم لصرف طاقة أكثر، أي سعرات أكثر بشكل عام، وإذا كان الهدف هو خسارة الوزن، فإن زيادة صرف السعرات هو من الأساسيات التي يتم التركيز عليها.