الانقباض العضلي ونظرية الخيوط المنزلقة (Sliding Filament Theory)
تحتوي خيوط الأكتين على نوعين من البروتينات التي لها دور أساسي في الانقباض العضلي، يُسمى النوع الأول تروبوميوسن (Tropomyosin) ويتواجد على مواقع ارتباط رؤوس الميوسين ووظيفته هي منع خيوط الميوسين من الارتباط بمواقعها على خيوط الأكتين، أي عندما تكون العضلة في حالة انبساط.
أما النوع الثاني من البروتينات فيسمى تروبونين (Troponin) وهو بروتين ضروري لحدوث الانقباض العضلي حيث يشكل موقع ارتباط خاص لأيونات الكالسيوم (التي لها دور مهم لحدوث الانقباض)، وكذلك موقعاً لارتباط بروتين التروبوميوسين عندما تحتاج العضلة إلى أن تنقبض.
عندما يصل السيال العصبي عن طريق عصبون حركي (Motor Neuron)إلى الليف العضلي يحدث التالي:
- يتم إطلاق أيونات الكالسيوم من مستودعاتها من داخل الشبكة الإندوبلازمية الملساء
(Smooth Endoplasmic Reticulum).
- ترتبط أيونات الكالسيوم ببروتين التروبونين الموجود على خيوط الأكتين، الأمر الذي يؤدي إلى
- ارتباط التروبوميوسن أيضاً بالتروبونين، مما يؤدي إلى
- تكّشف مواقع ارتباط رؤوس الميوسين الموجودة على خيوط الأكتين وهذا يسمح
- بارتباط رؤوس الميوسين بمواقعها على خيوط الأكتين، مما يؤدي إلى
- تكوين جسور مستعرضة (Cross Bridging) بين الأكتين والميوسين.
- تَسحب الجسور المستعرضة خيوط الأكتين إلى وسط الساركومير مما يؤدي إلى انزلاق خيوط الأكتين بين خيوط الميوسين، الأمر الذي يسبب قصر الساركومير وبالتالي قصر الليف العضلي وهذا ما يعرف بنظرية الخيوط المنزلقة (Sliding Filament Theory) التي تُفسر كيفية حدوث الانقباض العضلي.
أنظر الشكل رقم (16).
في كل مرة ترتبط فيها خيوط الأكتين مع الميوسين وتتكون الجسور المستعرضة بينهما تمثل هذه العملية دورة واحدة من تكون الجسور المستعرضة (Cross-Bridging Cycle) وتؤدي إلى حدوث ما يسمى بـ “الارتعاش” (Twitch)، ولكن حتى يحدث الانقباض العضلي بشكل يُمكِّن العضلة من تأدية العمل المطلوب منها، يجب أن تتكرر عملية تكون الجسور المستعرضة لأكثر من مرة بين خيوط الأكتين والميوسين، فدورة واحدة فقط من تكوّن الجسور لن تكفي.
عندما يتوقف تنبيه العضلة من قبل الجهاز العصبي، يعود الكالسيوم إلى مستودعاته في الشبكة الإندوبلازمية، الأمر الذي يؤدي إلى ارتباط التروبوميوسين مجدداً بمواقع ارتباط رؤوس الميوسين بالأكتين والذي بدوره يمنع تكون الجسور بين الأكتين والميوسين، وبذلك تبتعد خيوط الأكتين عن الميوسين ويزداد طول الساركومير، مما يُسبب انبساطاً للعضلة.
من الجدير بالذكر أن حركة الجسور المستعرضة تحتاج إلى طاقة، ويولّد الجسم الطاقة عن طريق سلسلة من التفاعلات الكيميائية التي تحول الطاقة المُخزّنه في الروابط الكيميائية الموجودة في مصادر الطاقة الرئيسية (الكربوهيدرات والدهون والبروتينات) ويخزّنها على هيئة مركب عالي الطاقة يسمّى ثلاثي فوسفات الأدينوسين (Adenosine Triphosphate) أو ما يشار له اختصارا بـ (ATP) وسنتحدث عنه بالتفصيل في الفصل الثالث.

الوحدة الحركية (Motor Unit)
ذكرنا سابقاً أن الجهاز العصبي هو الذي يتحكم بحركة العضلات وبالتالي حركة الجسم ككل، وذلك عن طريق إرسال الإشارات العصبية إلى العضلات لاستثارتها وتحفيزها على الانقباض، فلا يمكن للعضلات أن تنقبض من دون التحفيز العصبي (Neural Activation).وليحدث التحفيز العصبي لابد أن يكون هناك حلقة للتواصل بين الجهازين العصبي والعضلي، وهذه الحلقة هي العصبونات الحركية التي تتفرع من الجهاز العصبي المركزي وتصلإلى الألياف العضلية لتؤمن لها التغذية العصبية، مُشكّلة ما يُسمى بالوحدة الحركية (Motor Unit).
تتألف الوحدة الحركية من عصبون حركي واحد مرتبط بعدد من الألياف العضلية. أنظر الشكل رقم 17)).
ويحدد عدد الألياف العضلية المرتبطة بالعصبون الحركي حجم الوحدة الحركية.
ومن الجدير بالذكر أن حجم الوحدة الحركية يختلف من عضلة لأخرى حسب طبيعة وظيفة العضلة، فالعضلات التي تودي حركات دقيقة مثل العضلات المحركة للعين، تحتوي على وحدات حركية أصغر
(10- 20 ليف عضلي يرتبط بكل عصبون حركي) من العضلات التي تؤدي وظيفة أقل دقة مثل عضلة الفخذ الرباعية الرؤوس (Quadriceps Muscle Group) ، التي تقوم بتحريك ومَدْ مفصل الركبة(Knee Extension)، حيث يرتبط كل عصبون حركي بآلاف الألياف العضلية.

منطقة التشابك العصبي العضلي (The Neuromuscular Junction)
عند صول السيال العصبي من الجهاز العصبي المركزي إلى العصبون الحركي يحدث تنبيه أو تحفيز للعصبون وينتقل السيال العصبي على طول محور العصبون إلى أن يصل إلى النهايات العصبية للعصبون والتي تتصل بدورها بالليف العضلي.
تُسمى منطقة التقاء النهايات العصبية للعصبون بالليف العضلي بمنطقة التشابك العصبي العضلي (Neuromuscular Junction)وتحتوي النهايات العصبية للعصبون على حويصلات تسمى بالحويصلات التشابكية (Synaptic Vesicles) ويوجد في داخلها مواد كيميائية تُسمى النواقل العصبية (Neurotransmitters). أنظر الشكل رقم (18).
وبمجرد أن يصل السيال العصبي إلى نهاية العصبون، يتم تحرير هذه النواقل العصبية إلى منطقة التشابك العصبي العضلي، لترتبط النواقل العصبية بمستقبلات خاصة موجودة على غشاء الليف العضلي، الأمر الذي يحفز الليف العضلي ويحدث سلسلة من التغيرات من شأنها أن تؤدي إلى انقباض كافة الألياف العضلية المتصلة بالعصبون الحركي، وبالتالي إلى تنبيه الوحدة الحركية بالكامل بكل ما فيها من ألياف عضلية، ويُسمى الناقل العصبي المسؤول عن تنبيه الألياف العضلية الهيكلية أسيتيل كولين (Acetylcholine)، أو ما يعرف اختصارا بـ(ACh) .
وتُعرف عملية التنبيه أو التحفيز العصبي للعضلة التي تنتهي بالانقباض العضلي بالاقتران بين التحفيز والانقباض العضلي (Excitation-Contraction Coupling).

قانون الكل أو العدم (All or Nothing Law)
إذا ما تعرض العصبون الحركي إلى محفز شديد بما فيه الكفاية لاستثارته، ينتقل السيال العصبي على طول المحور العصبي للعصبون، وتتحفز كافة الألياف العضلية المرتبطة بالعصبون، أي تتحفز الوحدة الحركية بالكامل، مما يؤدي إلى انقباض كافة الألياف العضلية المكونة للوحدة الحركية، أما إذا لم يكن المحفز بالشدة الكافية، فلا يتكون سيال عصبي من الأساس وبالتالي لا يحدث تحفيز للوحدة الحركية.
إذاً، إما أن تنقبض الألياف العضلية انقباضا كاملاً بالدرجة القصوى، أو لا تنقبض نهائياً إذا كان المحفز أضعف من أن يؤدي إلى إنشاء سيال عصبي وهذا هو ما يعرف بقانون الكل أو العدم، فلا يمكن للوحدة الحركية أن تغير من درجة أو قوة الانقباض الذي يمكن للألياف العضلية المكونة للوحدة الحركية أن تقوم به، فإما أن تنقبض جميعها بالدرجة القصوى أو لا تنقبض (لا يوجد انقباض جزئي).
وهنا يمكن أن نطرح السؤال التالي، كيف يمكن للعضلة إذا أن تتحكم بقوة الانقباض العضلي ليتناسب مع المهمة المطلوب إنجازها؟ فرفع لوح من الإسمنت مثلاً يحتاج قوة أكبر من رفع قلم رصاص عن الأرض.
والإجابة هي أن العضلة تتحكم بقوة الانقباض عن طريق عدد الوحدات الحركية التي توظفها العضلة لكل انقباض، فكلما احتاجت العضلة أن تبذل جهداً أكبر، تقوم بتوظيف وحدات حركية أكثر لتقوم بالعمل المتوقع منها، كما أن حجم الوحدة الحركية (أي عدد الألياف العضلية المرتبطة بالعصبون الحركي المكون للوحدة الحركية)، أيضاً من العوامل التي تحدد قوة الانقباض العضلي، فكلما كانت الوحدة الحركية أكبر كان الانقباض أقوى، وكما ذكرنا سابقاً، فإن أحجام الوحدات الحركية تختلف من عضلة لأخرى.
من الجدير بالذكر أن زيادة حجم العضلات أو النمو العضلي (Muscle Hypertrophy) هو من الأمور التي تؤدي أيضاً إلى زيادة قوة الانقباض العضلي، وسنتحدث عن هذا الموضوع أكثر عند الحديث عن التكيُّف الذي يحدث للعضلات نتيجة ممارسة تمارين المقاومة في الفصل الخاص بمكونات اللياقة.