الحركة… الغاية أم الوسيلة؟
الحركة جزء لا يتجزأ من حياتنا، فقد خُلقت أجسامنا لتتحرك وفي كل يوم نحن نُحرَّك أجزاء مختلفة من أجسامنا من أعلى الرأس إلى أخمص القدمين، إذ إن للحركة دوراً محورياً أثناء قيامنا بنشاطاتنا الحياتية اليومية.
وحتى الآن وأنت جالس تتصفح محتويات الكتاب الذي بين يديك، وعلى الرغم من السكون الذي تنطوي عليه عملية القراءة إلا أن للحركة نصيب من هذا النشاط، فأنت تُحرِّك أصابعك لتُقلّب أوراق الكتاب وتُحرِّك عينيك للانتقال بين السطور وتُحرِّك جفنيك لتحافظ على رطوبة عينيك أثناء القيام بعملية القراءة.
وإذا أمعنت النظر أكثر ستلاحظ أننا نتخذ من الحركة وسيلة للتعبير عن مشاعرنا أيضاً، فهي ليست فقط وسيلة لإنجاز المهام اليومية، فعندما نقفز من شدة الفرح ونرقص من شدة السعادة ونبكي من عظمة الحزن ونركض هرباً من الخوف ونحتضن الغائب اشتياقاً، نحن نتحرك، فالحركة ليست فقط وسيلة لإنجاز عمل معين وإنما هي تعبير عن الذات ووسيلة للتواصل مع الآخرين ونوع من أنواع الحرية الجسدية.
وبالنسبة للمُدرِّبين الشخصيين ولكل شخص محترف أو مهتم بمجال اللياقة البدنية، فإن الحركة هي ليست فقط الوسيلة، بل هي الغاية بحد ذاتها.
تُعرَّف الحركة في العديد من المراجع بأنها تغير في المكان أو في وضعية الجسم أو هيئة الجسم (القوام)، وعلى الرغم من بساطة التعريف والبساطة التي تبدو عليها الحركة بشكل عام إلا أنها عملية في غاية التعقيد وتتضمن مشاركة العديد من أجهزة الجسم لنتمكن من تحريك أجسامنا بكفاءة وفعّالية، وسواء كان الهدف من الحركة هو القيام بالأعمال المنزلية، أو الذهاب للعمل، أو الاعتناء بأطفالك ومن تحب من حولك، أو التنزه والترفيه عن النفس، أو ممارسة النشاط الرياضي، فآلية الحركة واحدة والأجهزة المعنيّة بإنتاج الحركة هي ذاتها في كل هذه المواقف.
وعلى الرغم من التنسيق الهائل الذي يتطلبه القيام بأبسط الحركات والتي نقوم بها مئات المرات خلال اليوم الواحد، إلا أننا نتحرك بشكل عفوي وبغاية السهولة واليُسر.
سنتحدث في الفصل الأول من هذا الكتاب عن الجهاز الحركي (Human Movement System) وقد توحي التسمية للوهلة الأولى بأنه جهاز واحد مستقل من الناحية التشريحية، إلا أنه في الحقيقة يشمل ثلاثة أجهزة مجتمعة، وهي الجهاز العصبي والجهاز العضلي والجهاز العظمي (الهيكلي).
كما ويُطلق عليه أيضاً السلسلة الحركية (Kinetic Chain) وهذه التسمية الأخيرة تدل على عمق الترابط والتداخل بين هذه الأجهزة، فكأن كل واحد منهم هو حلقة في سلسلة وظيفية واحدة مهمتها الأساسية هي الحركة وإن حدث أي خلل في أي حلقة من هذه الحلقات متُمثلاً بعطل أو ضرر وظيفي أو تركيبي في أحد هذه الأجهزة فسيؤثر على عمل السلسلة بالكامل، ما يعني تأثر قدرة الجسم على الحركة. ويُمثل كل واحد من هذه الأجهزة جهازاً معقداً مستقلاً ببنيته ووظيفته، إلا أن عمل هذه الأجهزة المتداخل والمشترك والمنظم هو الذي يمكّننا من القيام بالحركات المختلفة بكل سلاسة وخفة حتى من دون أن نفكر بآلية الحركة وكأنها تحدث بشكل تلقائي وكل ما علينا فقط هو أن نأخذ القرار بأن نتحرك والباقي يحدث!
سنتحدث بشيء من التفصيل عن كل واحد من هذه الأجهزة في الصفحات القادمة وعن تركيبته من الناحية التشريحية والفيسيولوجية وعن العلاقة بين هذه الأجهزة الثلاثة لتُنتج الحركة المطلوبة في النهاية.