العتبة اللاهوائية (Anaerobic Threshold)
نفهم مما سبق أن من أهم العوامل التي تحدد مدى هيمنة أي نظام من الأنظمة الثلاثة على عمليات إنتاج الطاقة هي شدة التمرين ومدة التمرين، ولأن ممارسة النشاط البدني والرياضات بشكل عام تختلف في شدتها ومدتها، فإن دور كل نظام من أنظمة الطاقة كمزود للـ ATP سيختلف تباعاً لذلك.
ولفهم دور الأنظمة الثلاثة والتداخل المستمر بينهم تستخدم العديد من المراجع مصطلح “طيف الطاقة” (Energy Continuum)، للتأكيد على أن الجسم يعتمد على كل مصادره ولكن بدرجة متفاوتة حسب شدة النشاط وطول فترة ممارسته. أنظر الشكل رقم (38) لمزيد من الإيضاح.
فعند البدء بممارسة نشاط معين منخفض أو متوسط الشدة، مثل المشي تكون احتياجات الجسم من الطاقة معتدلة، وبالتالي، فإن سرعة هدم الجلوكوز من خلال عملية التحلل الجلايكولي التي تُنتج حامض البيروفيك تكون متماشية مع سرعة دورة كربس وسلسلة نقل الإلكترونات، حيث يتم استخدام حامض البيروفيك من قبل الميتوكوندريا بوجود الأوكسجين لإنتاج الـ ATP، أي أن سرعة عمليات التنفس الهوائي مناسبة لتزويد حاجة الجسم بالطاقة.
وعندما يقرر الشخص زيادة سرعة خطواته والتحول من المشي إلى الهرولة ومنها إلى الركض السريع تزداد شدة التمرين ويزداد الطلب على الطاقة، لذلك تتسارع عملية التحلل الجلايكولي لتنتج كميات أكبر من الـATP وكذلك كميات أكبر من حامض البيروفيك، وهنا تكون سرعة تكوّن حامض البيروفيك أعلى من سرعة استخدامه من قبل الميتوكوندريا لإنتاج الطاقة بالطرق الهوائية، لأن الطرق الهوائية تعتمد على إمداد الأوكسجين والذي قد يصبح محدوداً نسبياً مع ازدياد شدة التمرين.
ونتذكر أنه بالإضافة لحامض البيروفيك، ينتج عن التحلل الجلايكولي أيونات الهيدروجين والتي ستتكون الآن بشكل أسرع نتيجة ارتفاع سرعة عملية التحلل الجلايكولي، وعلى الجسم التعامل معها حتى لا تتراكم وتتسبب حموضة الخلية، حيث ترتبط جزيئات حامض البيروفيك بهذه الأيونات لمعادلتها مكونة حامض اللاكتيك.
خلال فترات الراحة هناك توازن بين معدل ظهور حامض اللاكتيك في الدم وبين معدل إزالته، وعندما يبدأ حامض اللاكتيك بالتراكم في الدم فوق مستوياته في فترات الراحة -بسبب تكونه بصورة أسرع من قدرة الجسم على التخلص منه- نصل إلى ما يعرف بالعتبة اللاهوائية.
والمقصود أنه عند هذه النقطة أثناء ممارسة تمرين عالي الشدة لا يستطيع الجسم الحصول على كفايته من الأوكسجين ولن تتمكن الفسفرة التأكسدية من تأمين حاجة الجسم من الطاقة، فيهيمن الأيض اللاهوائي، وتسمى أيضاً بعتبة اللاكتيت (Lactate Threshold).
وهناك سبب آخر يفسر زيادة إنتاج حامض اللاكتيك، فمع ازدياد شدة التمرين، يحدث تحول نحو توظيف العضلات سريعة الانقباض (عضلات النوع الثاني) والتي تعتمد بشكل رئيسي على عمليات الأيض اللاهوائي لإنتاج الـATP، وبالتالي يؤدي توظيف هذه العضلات إلى تحول في عمليات الأيض وهيمنة أنظمة أيض الطاقة اللاهوائية، مما سيؤدي في نهاية المطاف إلى زيادة إنتاج حامض اللاكتيك.
إذا كانت احتياجات الجسم من الطاقة منخفضة إلى متوسطة، أي تحت مستوى عتبة اللاكتيت، تستطيع دورة كربس أن تُماشي سرعة التحلل الجلايكولي وتستخدم منتجاته، أي حامض البيروفيك وأيونات الهيدروجين لإنتاج الطاقة داخل الميتوكوندريا وبالطرق الهوائية.
ومن الناحية النظرية، من الممكن أن نستمر بممارسة نشاط معين إلى فترة غير محدودة مادامت شدة النشاط تحت مستوى العتبة اللاهوائية وذلك بسبب اعتماد الجسم بشكل رئيسي على إنتاج الطاقة بالطرق الهوائية.

حامض اللاكتيك سيء السمعة، متهم أم بريء؟
لقد ارتبط اسم حامض اللاكتيك في الأذهان بالشعور بالحرقة والألم العضلي وعدم القدرة على مواصلة جولة مكثفة من تمرين معين على الرغم من أن الدراسات قد برأت حامض اللاكتيك من هذه التهمة وبينت أن ازدياد الحموضة داخل الخلايا العضلية أثناء التمرين ينتج عن تراكم أيونات الهيدروجين الناتجة عن عمليات إنتاج الطاقة بشكل لاهوائي وهو ما يضعف قدرة العضلة على الانقباض ويسبب الشعور بالحرقة والألم ويؤدي في نهاية المطاف إلى إرهاق العضلة.
إن تكوّن حامض اللاكتيك هو منفذ فيسيولوجي تستخدمه العضلة لمعادلة أيونات الهيدروجين وحماية البيئة الداخلية للخلية من “التحمُّض “، وبذلك فان لوجوده دور إيجابي ولكن على الجسم التخلص منه أو بمعنى آخر أيضه بسرعة، لأنه كما ذكرنا إذا ارتفع تركيزه عن حد معين في الدم سيتسبب بارتفاع حموضة الدم، الأمر الذي يُخل بالتوازن الحمضي-القاعدي في الجسم ويؤثر سلباً على العمليات الحيوية، كما انه سيؤثر على سير عمليات التحلل الجلايكولي اللاهوائي لإنتاج الطاقة من قبل العضلات. والجدير بالذكر أن حامض اللاكتيك واللاكتيت هما شكلان كيميائيان مختلفان، فعندما يُطلق حامض اللاكتيك أيونات الهيدروجين ينتج عن ذلك تكون اللاكتيت وهو الشكل الملحي للحامض، ولكن في العديد من النصوص يتم الحديث عنهم كصيغة واحدة.