الدرس 1 of 0
في تقدم

عُملة الخلية أو الـ ATP … ما هو؟

مشرف 17/01/2025

اتفقنا إذاً أن الطعام يوفر الطاقة لاستدامة الحياة ودعم النشاط البدني، ولكن يجب أن نتذكر أن الطعام يزودنا بالطاقة بصورة غير مباشرة، فبداية لابد أن يمر الطعام بمرحلة الهضم ليتم تكسيره بواسطة الجهاز الهضمي إلى منتجات ثانوية أصغر قابلة للامتصاص عبر جدار القناة الهضمية، لتنتقل بعدها إلى مجرى الدم بحيث تصبح متاحة للاستخدام من قبل خلايا الجسم لاستخدامها كمواد أولية في تفاعلات إنتاج الطاقة وحسب حاجة الجسم للطاقة، إما أن يتم استخدامها مباشرة، أو تخزينها واستخدامها عند الحاجة.

وذكرنا في السطور السابقة أن ما يحدث فعلياً في الجسم هو ليس توليداً أو إنتاجاً حقيقياً للطاقة، وإنما هو فقط تحويل للطاقة إلى شكل قابل للاستخدام من قبل خلايا الجسم وهذا الشكل الفريد هو مركب الأدينوسين ثلاثي الفوسفات أو ATP، فما هو الـATP؟

أفضل طريقة لفهم دور مركب الـ ATP هو التعامل مع الجسم على اعتباره دولة قائمة بحد ذاتها لها عُملة نقدية محلية خاصة تسمى الـ ATP، وأن اقتصاد هذه الدولة قائم على تدفق العُملات الأجنبية (وبالتحديد ثلاث عملات فقط بالنسبة لجسم الإنسان وهي الكربوهيدرات، البروتينات، والدهون)، إلا أن هذه العُملات يجب تحويلها إلى العُملة المحلية من خلال عمليات تصريف العُملات الأجنبية (أي من خلال عمليات الأيض وبالتحديد عمليات تحوّل الطاقة) للتمكن من استخدامها داخل حدود هذه الدولة (أي الجسم).

وعلى كل فرد من أفراد هذه الدولة أن يدفع تكاليف معيشته على أراضي الدولة باستخدام العُملة المحلية فقط -أي الـATP– (وفي هذه الحالة الأفراد يمثلون بالخلايا) وكذلك للقيام بعمليات البيع والشراء وكافة أنواع الإنفاق (أي النشاط الخلوي على اختلاف أنواعه). ومهما كانت مُلكية الفرد (أي مخزون الخلية) من العُملات الأجنبية (أي الدهون والكربوهيدرات والبروتينات)، فلن يستطيع استخدامها للاستمرار بالعيش في هذه الدولة والقيام بنشاطاته المختلفة ما لم يُحوّل عملاته الأجنبية (أي عن طرق عمليات تحوّل الطاقة) إلى العُملة المحلية (أي الـ  (ATP  ليدفع تكاليف نشاطاته ومعيشته (أي تكاليف النشاط الخلوي). ممتع، أليس كذلك؟!

بعبارة أخرى، إذا أرادت الخلية أن تقوم بجملة وظائفها الحيوية، كنقل المواد المختلفة عبر غشائها (مثل نقل الجلوكوز وأيونات الصوديوم والكالسيوم) وبناء المركبات المختلفة (مثل خيوط الأكتين والميوسين البروتينية والإنزيمات والهرمونات) والقيام بالعمل الميكانيكي (مثل الانقباض العضلي) فلابد أن تدفع ثمناً لذلك، فالنشاط الخلوي ليس مجانياً، والطريقة الوحيدة لدفع الثمن هي باستخدام الـ ATP.  

لتوضيح الفكرة أكثر، دعونا نلقي نظرة على آلية الانقباض العضلي، فإذا أرادت العضلة أن تنقبض، لابد أن تحول الكربوهيدرات أو الدهون (وإذا دعت الحاجة تحوُل البروتينات أيضاً) إلى ATP أولاً، ومن ثم تستخدم الـ ATP للقيام بالانقباض العضلي.

وذكرنا سابقاً عند الحديث عن نظرية الخيوط المنزلقة التي تفسر آلية الانقباض العضلي، أن الانقباض العضلي يحدث عندما تنزلق خيوط الأكتين والميوسين على بعضها البعض، مما يؤدي إلى تغير طول الليف العضلي وتوليد القوة العضلية.

كما ذكرنا أن هذه العملية تحتاج إلى طاقة، فلكي تتمكن خيوط الأكتين والميوسين من تكوين الجسور المستعرضة، يجب أن يتوفر جزيء الـATP وبكميات كافية، حيث يوجد إنزيم خاص يحرر الطاقة المخزنة بين روابط الفوسفات الموجودة في جزيء الـATP، وذلك من أجل تزويد عملية الانقباض بالطاقة الضرورية لانقباض العضلة. وهذا هو الحال في جميع النشاطات الخلوية التي تحتاج إلى طاقة وسنتحدث بتفصيل أكثر عن ذلك في السطور القادمة.

وبذلك تُقدم عمليات تحوُّل الطاقة للخلية مركباً عالي الطاقة وهو الـATP، بهدف خزن الطاقة والمحافظة عليها واستخدامها عند الحاجة من قبل الخلايا.